Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
jebbour4ever
jebbour4ever
Publicité
Archives
28 juin 2007

نحو رؤية سوسيولوجية

نحو رؤية سوسيولوجية

لأزمة الشباب العاطل

مقدمة: أفرزت الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بالمغرب أحداثا ومستجدات استرعت اهتمام المجتمع السياسي والمدني معا، فضعف البنية الاقتصادية والفساد الإداري وفشل الحوار الاجتماعي وتفشي البطالة التي يعاني منها جزء كبير من السكان النشيطين وتنامي الفوارق الاجتماعية... أحداث زعزعت بعمق مسيرة الديمقراطية ببلدنا. فما سنسلط عليه الضوء في هذا المقال يتعلق بالجانب السوسيولوجي لأزمة الشباب العاطل حيث نهدف إلى تقديم تصور نظري يمكن تعزيزه بدراسات وبحوث ميدانية عن هذه الفئة المحرومة من العمل والإنتاج، فالتصور الذي نروم بلوغه تحكمه أفكار نابعة من الوضعية المأزومة التي يعيشها الشباب العاطل وذلك استنادا إلى احتكاكنا اليومي بهذه الفئة واعتمادنا على منهج الملاحظة المباشرة.

فالمقال الذي نضعه بين أيدي القراء استقراء لصمت الشباب وصياحهم المتعالي في آن واحد... هو مدخل لبحث يتناول مشاكلهم ومعاناتهم من خلال رصد للظواهر والمعطيات الواقعية. إن الغاية الأساسية التي نتوخاها، تتمثل في الوقوف على المحددات الاجتماعية لهذه الظاهرة رغم الصعوبات الكمية والنوعية التي تطرحها الظاهرة المدروسة خاصة المتعلقة منها باختلاف المقومات السوسيولوجية لهذه العينة واختلاف تكوينها الاجتماعي وكذا تنوع مشاربها الثقافية...

-I- أهمية دراسة الشباب العاطل في المجال السوسيولوجي:

أصبح موضوع الشباب عامة والشباب العاطل خاصة يشكل قطب الرحى في الخطاب الاجتماعي والسياسي الراهن، كما أصبحت مكونات المجتمع المدني الحية تنادي بفك عقدة هذه الفئة من المجتمع... بل إن رهان الأحزاب السياسية والدولة على حد سواء مبني إلى حد كبير على الشباب لأنه يمثل نسبة كبيرة تزيد عن 50% من مجموع السكان ككل، يمثل الشباب الجامعي منها نسبة 1% وهو رقم هزيل مقارنة مع الدول المتقدمة... إن هذه الفئة تمثل أهمية جوهرية وخاصة داخل المجتمع.

إن البحث السوسيولوجي الحديث يهتم بظاهرة الشباب والعطالة لكونها بنيوية التعقيد من جهة وتحمل في طياتها عدة خصائص ومميزات نستطيع الكشف من خلالها عوامل ذات طابع نفسي واقتصادي وسياسي من جهة ثانية... كالاضطراب الاجتماعي الذي يعانيه الشباب العاطل جراء صراعه المرير مع المؤسسات الاجتماعية والسياسية الشيء الذي ينعكس سلبا عليه ويجعل سلوكه مزاجيا في غالب الأحيان ويولد لديه مواقف ورغبات تجاه مؤسسة الدولة والأسرة حيث يظهر هذا بجلاء من خلال ردات فعله الثقافية والسياسية والاجتماعية... وكمثال على ذلك، عدم اكتراثه ولامبالاته الدائمة تجاه خطابها الذي لا يحمل الجديد بالنسبة لمشكلته، أو يعتمد خطابا يدغدغ مشاعره ويمنحه وعودا سرعان ما تبقى مجرد سواد على بياض... إن فترة ما بعد الدبلوم (أو الشهادة) تستدعي إشباع رغبات متنوعة: على الصعيد العقلي والدهني تزداد متطلبات الشاب المادية لاكتساب معارف جديدة قصد مسايرة التكنولوجيا الحديثة ومواكبة الثورات العلمية المتتالية؛ أما على الصعيد الاجتماعي فهو مطالب بالاستقلال عن الأبوين خاصة على المستوى المادي إضافة إلى محاولة الانفلات من القيم المرجعية التقليدية والتخلص من طابوات الأجيال الماضية؛ أما على المستوى السياسي فالمعطل في عراك سيزيفي يومي مع المؤسسات السياسية والإدارية كالأحزاب والهيئات المُشَغِّلَة... قصد تحقيق المكانة الاجتماعية والاستقلال الذاتي. ففي الوقت الذي يجب أن يتحمل فيه الشاب مسؤوليته داخل المجتمع بإبداء رأيه ومشاركته في بناء المجتمع وتوطيد مبادئ التنمية والديمقراطية على الوجه الأصح، يجد نفسه عرضة لعدة مشاكل وهموم سياسية واقتصادية وسلطوية وعاطفية... بالإضافة إلى انشطاره النفسي والاجتماعي بسبب مستجدات الشارع اليومية... فالشباب العاطل بؤرة صراع بين ما هو إيديولوجي وما هو سياسي واجتماعي وذلك في غياب أبسط الشروط المادية والمعنوية لإرضاء رغباته مما يجعله يعاني من صعوبة توحيد أهدافه والتحكم في قدراته ومطالبه المهضومة. إن هذه الوضعية قد ساهمت في انحراف العديد من الشباب وتعاطيه للمخدرات وإصابته ببعض الاضطرابات العقلية، كما يرتاد العاطل أماكن لا تتناسب ومستواه الثقافي ويمتهن مهنا لا علاقة لها بتخصصه... وهذا يحرم المجتمع من معارفه ولا يستفيد من الطاقة التي هدرها في سبيل تكوينهم دون إنتاجية.

-II- الشباب العاطل كظاهرة سوسيولوجية:

عجت الجرائد والمجلات المغربية عامة بالعديد من البحوث والمقالات التي عالجت المشاكل السوسيو- سياسية والاقتصادية... لهذه الفئة من المجتمع، لقد طرقت بشكل أو بآخر الجوانب المتعلقة بتأزم وضعية الشباب العاطل. إن دراسة مجمل العوائق دراسة منهجية معمقة سيؤدي حتما إلى كشف الخلل الكائن في البنية التحتية للاقتصاد المغربي الذي لم يستطع لحد الآن امتصاص هذه النسبة الضئيلة من خريجي الجامعات والمدارس العليا ومعاهد التكوين المهني مقارنة مع الشباب غير المتعلم الذي يعاني إهمالا مفرطا، بل يتم استغلاله ببشاعة في العديد من المناسبات والأشغال كالحملات الانتخابية التي تستغل جهله في استيعاب الخطابات الإيديولوجية المعقدة وهذا أمر يعوق بالفعل بناء أسس الديمقراطية ببلدنا... إذ يشكل هذا الشباب طاقة خامة في حاجة إلى التفكير في مستقبلها رغم الجهل الحقوقي والأمية المتفشية في صفوفها...

إن دراسة المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها الشباب العاطل تدخل في علاقات جدلية من حيث مستوياتها السيكولوجية والاقتصادية والسياسية، فالمعطل يعاني من عدم التوافق الاجتماعي مع مجتمعه كما يعاني من اضطرابات نفسية خطيرة كالقلق والكآبة وضيق الأفق وسوداوية الرؤية للحياة... غالبا ما تدفعه إلى القيام ببعض الأشكال الاحتجاجية التي من شأنها أن تعرضه إلى أشياء هو في حاجة عنها لو كان يشتغل.

يستشف المتتبع المدقق تَغَيُّرَ آراء الوالدين فيما يتعلق بمستقبل أبنائهم ومشكل الاستقلال الاقتصادي والقدرة على مزاولة المسؤولية الاجتماعية خاصة إذا ما تَمَّ اللجوء إلى القيام باستجواب بسيط لمحيط الأسر التي تضم معطلا أو أكثر.

يكشف التركيز على دراسة علاقات الشباب العاطل بمختلف المؤسسات السياسية والاجتماعية بوضوح عن الإجراءات والمعايير السلطوية التي تمارسها هذه المؤسسات عليه، فالإدارة والجامعة والأسرة والشارع... تسبب ضغوطا فعلية ورمزية غالبا ما تخلف أثرا سلبيا على نفسيته، كما تظل رؤية المجتمع الدونية إلى الشخص العاطل في حاجة أيضا إلى دراسة ميدانية سيكو- سوسيولوجية كاملة تتجاوز حدود الانطباعات العادية وأحكام القيمة التي كوّنها الدارس عن سلبيتها. فالناس العاديون ينظرون إليه كشيء زائد عن المجتمع ويصفونه بأوصاف تجرح نرجسيته كـ "الزوفري" مثلا التي تعني فيما تعنيه المنحل والمنحط... رغم أنه يتوفر على مستوى ثقافي يستطيع من خلاله فك رموز العالم وفهمه عكس وَاصِفِيه... لكن ما العمل؟ لقد شاء العرف والعادة الاجتماعيين وصف المعطلين عن العمل بذلك.

السوسيولوجيا هي العلم الذي يمكنه أن يهتم بدراسة قوانين تطور بنية فئة الشباب العاطل ويكشف عن كيفية انتظامها داخل المنظومة الاجتماعية وعلاقتها بالمنظومات المحيطة بها وذلك اعتمادا على مناهج البحث الأمبريقية والإحصائية حتى يتمكن الباحث من معرفة المساهمة في تشكلها، الشيء الذي لا يتأتّى في نظري إلا بالابتعاد عن أنماط التفكير الجاهزة والنماذج السوسيولوجية التي يوفرها لنا العالم الغربي خاصة وأن مجتمعنا يختلف عن المجتمع الصناعي المتقدم من حيث تركيبته البشرية وقيمه وفرص الشغل التي يوفرها اقتصاده، كما أن هذه الطرائق الجاهزة من شأنها أن تزيغ الباحث عن بلوغ النتائج الحقيقة فتتلون بحوثه بتلاوين الحمولة الثقافية الغربية التي لا تُطَبِق خصوصياتها الطابع الحضاري والثقافي للمغرب.

أن دراسة الشباب العاطل في علاقته بالمؤسسات المعنية بأمره تُبْعِد الباحث من السقوط في قفص الأحكام المتسرعة والقِيمِيَّة البعيدة عن المعايير العلمية المضبوطة مما سيترتب عنه منطقيا إغفال الطبقات الاجتماعية التي ينحدر منها العاطل ونمط تنشئته الاجتماعية وعلاقاتها بمستواه الثقافي المعرفي الذي تحكمه - في بعض الأحيان - البنية الاجتماعية التي ينتمي إليها.

ما زالت الخطابات التي تتناول موضوع الشباب العاطل تدور في دائرة مغلقة وتراوح السير في نفس المكان الشيء الذي جعلها تقع في نفس الأخطاء وتصل إلى نفس الخلاصات وكأن ظاهرة العطالة موضوع لاتاريخي ولا يخضع للسيرورة الزمانية ولا يحكمه التغير الاجتماعي والاقتصادي. إن المشاكل الآن قد اختلفت وتعقدت وذهنية الشباب العاطل قد نضجت بفعل عوامل متعددة يحكمها العمل النقابي المنظم بشكل لم يعهده المتتبعون من قبل، وتخضع لمجموعة من الضغوطات والصراعات التي يجابهها الشاب العاطل المثقف باطراد... إنه يحس بالخوف الدائم والاشمئزاز والاضطهاد، بل منهم من يلجأ إلى الخلوة على الطريقة الصوفية التي لا نستطيع التنبؤ بنتائجها، فلا هو يستفيد ولا يستفاد منه... هناك نسبة كبيرة من الشباب اليوم لم يعد ير جدوى من وراء انضمامه إلى التجمعات (أحزاب، جمعيات، أندية...) في حل مشاكله.

تنجم عن هذه الأزمة مجموعة من المفارقات والأمراض الاجتماعية من قبيل الإحساس بالضياع والتمرد داخل الأسرة وخارجها... فإذا كان اهتمام الدولة منصبا على الشباب المتعلم فإننا ننبه إلى الشباب الأمي الذي يعاني مشاكل أعوص كما ننبه أيضا إلى مشاكل الشباب القروي العاطل بشقيه المتعلم والأمي. فإذا كان الشق الأول يستطيع إسماع صوته عبر احتجاجاته وكتاباته وتماهيّاته الجسدية والرمزية التي يفرزها صراعه اليومي المرير ضد أساليب الكبح والتحريم التي تفرضها عليه مؤسسات المجتمع، فإن الشق الثاني يظل كالقنبلة الموقوتة المختبئة بعيدا عن الأنظار، تهدد الجميع بالانفجار في كل حين... إن تلك الوسائل الزجرية لن تحل المشكل بل تزيده تعقيدا. المشكل بنيوي ولن تحله المعالجة الأمنية، بل التفكير في خلق مناصب جديدة للشغل بالقطاع العام وتشجيع القطاع الخاص... إجراءات كفيلة بتخفيف وطأ الأزمة التي ستزيد تعقيدا مع تطبيق اتفاقيات التبادل الحر التي وقَّع عليها المغرب إضافة إلى قرب بداية فتح الحدود الذي يفرضه الانضمام إلى اتفاقيات العولمة...

خاتمة: نؤكد في ختام هذه المقالة عن ضرورة التعامل مع مشكل الشباب العاطل بنوع من المسؤولية المبنية على الدراسة والتخطيط العقلاني حتى يتمكن الجميع من تفادي التباينات الاجتماعية والفوارق الطبقية التي تتضخم يوما عن يوم وتقوي الحقد الاجتماعي أكثر مما تساعد على تفشي ظواهر السلم كما أنها تغذي التطرف الذي نرى أن من بين مداخله الكبرى الحرمان والإقصاء والانفراد بالثروة بشكل ديمقراطي ومعقول لا سيما وأن شباب اليوم تختلف درجات قبوله للسلطة وتختلف تمثلاته لها كما أنه يختلف من حيث قبوله للأمر الواقع وهناك من يفكر بتحديه وقد لا نستطيع التكهن بما يروج في مخيلة الأفراد الانعزاليين.

لائحة المراجع:

-1- إحسان محمد الحسن: المدخل إلى علم الاجتماع؛ دار الطليعة؛ بيروت؛ الطبعة الأولى؛ يناير 1988.

-2- يوسف مراد: مبادئ علم النفس العام؛ دار المعارف؛ بيروت؛ الطبعة V؛ 1966.

-3- علي زيعور: التحليل النفسي للذات العربية؛ دار الطليعة؛ القاهرة؛ الطبعة III؛ فبراير 1982.

-4- توم بوتومور: علم الاجتماع: منظور اجتماعي نقدي؛ ترجمة: عادل مختار الهواري؛ الشركة العامة للتجهيز والتوزيع؛ فاس؛ الطبعة I؛ 1979.

-5- بيير بورديو: حرفة عالم الاجتماع؛ ترجمة: نظير جاهل؛ دار الحقيقة؛ بيروت؛ الطبعة I؛ 1993.

-6- عباس مكي: مجال النفس الاجتماعي العربي؛ معهد الإنماء العربي؛ بيروت؛ 1991.

-7- M. FOUCAULT: Les mots et les choses; Gallimard; 1966.

-8- S. JONAS: Pour une sociologie synthétique; In le centenaire du capital; Ouvrage collectif; Mouton; 1966.

-9- مجلة الوحدة؛ الشباب العربي والمستقبل؛ العدد 39؛ ديسمبر 1987.

-10- المجلة المغربية للاقتصاد والاجتماع؛ العدد 7؛ 1984.

Publicité
Publicité
Commentaires
Publicité